تعيدك
قراءة (دعبول) الرواية القصيرة التي شاءت كاتبتها امل بورتر ان تطلق عليها
وصف (قصة) تعيدك الي بغداد العشرينات من القرن العشرين الماضي يوم كانت
الحياة بسيطة هادئة لم يضربها هذا التسارع الحضاري واللهاث الاقتصادي الذي
ضرب كل مناحي الحياة علي مستوي العراق والوطن العربي والعالم ولقد جعلت
الكاتبة العراقية المهاجرة امل بورتر من الشخصية البغدادية الكرخية
المعروفة (دعبول) محور روايتها القصيرة هذه لكن بتصرف واضافة، فدعبول
الشخصية الفكهة الكرخية المعروفة معاقر الخمر الدائم عدا ايام المحرم
الحرام وشهر رمضان المبارك والعازب والراوي الجميل للفكاهات ظهر في
الرواية علي غير الصورة الحقيقية شخصية حادة متفكرة وهذا من حق الروائية،
فالسرد الروائي لايعني النقل الحرفي لوقائع الحياة ومسيرة الشخصية الرئيسة
فيها، فللسرد ظروفه وطرائقه ووسائله لكن احببت الاشارة لغرض التوضيح خدمة
لتأريخ شخوصنا ذا كان دعبول صديقا حميما للمرحوم ابي كما اني كنت اجالسه
في مقهي سليم المطلة علي نهر دجلة الخالد او غيرها من مقاهي الكرخ عند جسر
الشهداء حتي وفاته رحمه الله في خريف 1971 بسبب كبر السن مع انه ترك
الخمرة واحتساءها في السنوات العشر الاخيرة من عمره.
رواية (دعبول)
للكاتبة العراقية المهاجرة امل بورتر سرد للحياة البغدادية كما قلت في
عشرينات القرن الماضي فهي تقترب بشكل من الاشكال من كتاب (لئلا ننسي.
بغداد في العشرينات) لمؤلفه عباس البغدادي وكتب مقدمته الروائي الكبير عبد
الرحمن منيف وصدرت طبعته الاولي عام 1998 عن المؤسسة العربية للدراسات
والنشر.
امل سيرل بورتر المولودة في بغداد عام 1939 والمتخرجة من معهد
الفنون الجميلة في بغداد عام 1960 ابنة الضابط الانكليزي سيرل بورتر
المولود في بريطانيا عام 1895 والمتوفي في بغداد عام 1967 والمدفون فيها
وقد احب العراق ولم يغادره بعد مغادرة القوات البريطانية بل عاش فيه وتزوج
من امرأة عراقية اسمها (لولو البغدادية) وقد تولت ابنته امل عام 2009 نشر
مذكراته التي يصف فيها حياته في العراق وبغداد تحديدا هذه البنت التي
اضطرت الي الهجرة ومغادرة العراق تكتب روايتها الحميمة هذه والمفعمة بحب
بغداد ودجلة والعراق من منطلق ابقاء الذاكرة متوهجة وهي تضم كل هذا الخزين
الوصفي والتضاريسي لبغداد وكل هذه الصور الحميمة لبغداد انها شاءت تسطيرها
علي الورق حفظا لها من عاديات الزمن الذي لايرحم وكر الايام وضعف الذاكرة
كما انها محاولة لنقل هذا الخزين والذكريات الي الاجيال المقبلة سواء
المقيمة في الوطن التي لم تعش تلك الايام ام المهاجرة والمغتربة التي فضلا
علي انها لم تعش تلك الايام فقد انقطعت آصرتها بالوطن بسبب المغادرة
والاغتراب فاذا كان لهذه الرواية من فضل فأن لها فضل نقل صور بغداد وحفظها
مؤرشفة من خلال سرد امل بورتر الذي اهدته الي يوسف جرجيس حمد وهي تعيد له
من خلال سردها الروائي هذا ما سبق ان رواه لها تعيده له مكتوبا بكل متعة
وحب.
لقد سبق ان جعل الفنان العراقي المعروف يوسف العاني وهو الكرخي
الاصيل من محلة سوق حمادة، جعل (دعبول البلام) محور مسرحيته الشعبية
الشهيرة (الشريعة) التي قدمتها فرقة المسرح الفني الحديث بداية عقد
السبعينات الزاهي في الحياة العراقية المعاصرة، هذه المسرحية التي استقطبت
اهتمام جمهور واسع من الناس حتي اولئك الذين لم يكن يستويهم فن المسرح
بسبب تلك الشخصية الحميمة والفكهة والتلقائية دعبول البلام فجاءت الكاتبة
العراقية امل بورتر لتتناوله روائيا بعد ان تناوله العاني مسرحيا وبغداد
النصف الاول من القرن العشرين زاخرة بالشخصيات الفكهة المثيرة للاهتمام
مثل: خلف بن امين، ابراهيم عرب وسخريته الجميلة ونوادره، في مقهاه ذاك في
منطقة الكرنتينة، او عبد الحميد الشاوي، او حسون الامريكي الشخصية المثيرة
للجدل، الذي سبق زمانه تصرفا وقيافة وسلوكا فضلا علي دعبول البلام.
لقد
افسدت علينا متعة قراءة هذه الرواية القصيرة (دعبول) الصادرة في ضمن
منشورات الجمل بالمانيا عام 2005 هذه الاخطاء النحوية والاملائية واللغوية
وكنت اتمني لو عرضت مخطوطة الرواية علي مختص باللغة كي يقيم ما اعوج نحويا
لانه من العيب ان يصدر عمل كتابي وهو ضاج بالاخطاء وهذا ما يدعو الي وقفة
جادة من دور النشر التي تحترم تاريخها وقارءها، فبالامس قرأت عملا مترجما
جميلا للمترجم العراقي المغترب عباس المفرجي عنوانه (يوميات القراءة:
تأملات قارئ شغوف في عام من القراءة) للكاتب الارجنتيني الرائع البيرتو
مانغويل والصادرة طبعته الاولي عن دار المدي عام 2008 فضلا علي رواية
(شنغهاي بيبي) للكاتبة الصينية المنفلتة والمثيرة للجدل وي هيوي التي
ترجمتها ظبية خميس، والصادرة طبعتها الاولي عن دار الجمل عام 2005 فضلا
علي رواية (اسمي احمر) للروائي التركي الكردي الحائز علي جائزة نوبل
للآداب أورهان باموك فوجدت في هذه الاعمال الكثير من الهفوات اللغوية
والنحوية والاملائية، راجين ايلاء هذه الناحية الاهتمام اللازم من خلال
عرض النصوص علي خبير لغوي كي تأتي متعة قراءتنا لهذه الاعمال مترادفة مع
جمال النص وخلوه مما يعكر متعة القارئ.
كان من المعيب ان لايجيد الكاتب
او المترجم لغته، نحوها تحديدا لكن قد نتساهل- وانا لا اتساهل في هذا
المضمار ابدا- فأقول قد يتساهل بعضهم محترمين امكاناته علي الكتابة او
الترجمة لكن من المعيب جدا علي مترجم او كاتب نص ان يدفع نصه للنشر من دون
عرضه علي مختص باللغة وسيكون العيب اشد ان دفعت دار نشر تحترم نفسها او
قارءها نصوصا وكتابات ضاجة بالخطأ النحوي والاملائي ام اننا نحذو حذو هادي
العلوي المتساهل نحويا البل التارك للنحو في كتاباته ولعل العلوي هادي في
كتابته يتماهي مع دعوات طه حسين والشيخ امين الخولي لادخال حروف التشكيل
في الكلمات، اذ كتب اسمه هكذا (طاها) ثم تراجع عن هذا الرسم لاحقا!